18
شوال
1445 هـ
26
ابريل
2024 م

كيد الأعداء

line
تاريخ النشر: 2020-10-12 12:10:24
المشاهدات: 1644

  

كيد الأعداء

 

إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًاً وأكيد كيدًا

وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّه

   في هذا الموضوع نشير إلى ثلاثية مترابطة الأجزاء علمها لنا القرآن بخصوص كيد الأعداء، جمعت بين التأكيد على ضخامة كيد الأعداء، والتأكيد على تهافته، والتأكيد على قيامنا بواجبنا تجاه هذا الكيد.

فمن وقف به السير عند النظر إلى ضخامة كيد العدو فقد ضل الطريق ومصيره الخوف والإحباط واليأس، ومن وقف به السير عند النظر إلى تهافت كيد الأعداء فحسب فقد ضل الطريق ومصيره التواكل والبطالة، ومن جمع مع النظر إلى كيد الأعداء وتهافته القيام بالأسباب الواجبة علينا تجاه هذا الكيد فقد وُفِّق وهُدِيَ إلى سواء السبيل.

 وفيما يلي بيان ضخامة كيد الأعداء و وسائلهم في ذلك، ثم بيان تهافته، ثم بيان ما يجب علينا تجاه كيدهم.

 

أولا : وسائلهم في الكيد وضخامته:

1- الإيذاء المباشر والتهديد بالعقوبات من قتل وضرب وحبس  :

   " سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءَهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ " .

   "  قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ  ".

   " لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۚ " .

   " وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ " .

   وقد حفلت السيرة العملية للأنبياء والصحابة بوقائع القتل والتعذيب والإيذاء بشتى صوره.

 

2- طلب المستحيلات لإثبات الداعية أنه على الحق ، إما معجزات حسية و إما قدرات على حل جميع مشاكل الشعوب فى لمح البصر ، أو تبديل الشرع كما قال الله عز وجل وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ ۙ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَٰذَا أَوْ بَدِّلْهُ ۚ  " وهذا الطلب الأخير قد يرافقه المساومة والإغراء

     " وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا  ".

 

3- التشويش على أهل الحق و التضليل للناس :

    " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَٰذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ "

    وابو لهب كان يمشى خلف النبي صلى الله عليه وسلم ويقول لا تطيعوه ، ورسالة الإعلام اليوم تقوم على ذلك.

 

4- إتهام الدعاة والمصلحين بشتى التهم وإغراء الناس بهم وتحريضهم عليهم  :

    " كَذَٰلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ "

     وقال فرعون فى موسى :

    " إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ "

     وقال قومه له :

    " أَتَذَرُ مُوسَىٰ وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ "

    "و قال الذين كفروا إِنْ هذا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ "

    " إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ".  مع نوح

    " إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ " مع هود

وكل هذه الصور من الكيد ظاهرة في كل عصر ظهور الشمس في رابعة النهار.

 

ثانيا : تهافت كيدهم  :

وهنا يكمن الفرق بين المتأثر بالتصور العلماني والمتأثر بالتصور الإيماني، وهذا التهافت ظاهر من عدة جهات:

  1. إنه لا يقف أمام كيد الله لهم وأنه يعود عليهم بالوبال ولو بعد حين:

   " وَمَا كَيْدُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ "

   " وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ "

    " إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا، وَأَكِيدُ كَيْدًا، "

    " وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ ۖ"

    " وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِندَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِن كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ"

    " ذَٰلِكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ "

    " قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ بُنْيَانَهُم مِّنَ الْقَوَاعِدِ "

    " وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ۖ وَمَكْرُ أُولَٰئِكَ هُوَ يَبُورُ "

    " أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا ۖ فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ "

    " فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ "

    " وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ "

    " وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ "

    " وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا "

    " فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ "

    " إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ ۗ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ "

    " ثُمَّ كَانَ عَاقِبَة الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّه وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ "

    " أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ كَانُوا مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَانُوا هُمْ أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَآثَارًا فِي الْأَرْضِ فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَمَا كَانَ لَهُم مِّنَ اللَّهِ مِن وَاقٍ "

    " يُرِيدُونَ أَن يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ "

     وفي قصة أبي بصير وأصحاب الاخدود عبرة.

 

  1. أن كيدهم و مكرهم لا يضر مع الإيمان والصبر والتقوى والاستعانة بالله :

 

    " وَإِن تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا ۗ"

    " قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا ۖ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ "

    " وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون "

 

3- إنه بالنظر للمصير الأخروى - مع إن العاقبة عليهم  فى الدنيا وإن تأخرت - لا قيمة له  ولا وزن له :

    فما الدنيا فى الآخرة؟!

   ولذلك قال الله تعالي :" لَن يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى ۖ" , "وقال المؤمنون من السحرة لفرعون: "َلَن نُّؤْثِرَكَ عَلَىٰ مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا ۖ فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ ۖ إِنَّمَا تَقْضِي هَٰذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا "

   والمؤمنون الذين أحرقهم أصحاب الاخدود لم يبالوا بالنار وثبتوا على إيمانهم ليقينهم بالنعيم والمصير الأخروي للمؤمنين وبالنار الحارقة والمصير الأخروي للطغاة الكافرين.

   وتتابعت الآيات في تحذير المؤمنين من الاغترار بتقلب الكفار في طول البلاد و عرضها ،وإمهال الله لهم فقال تعالى :" لا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلادِ ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ .لكن الذين اتقوا ربهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها...... " ، وقال جل وعلا:" ما يجادل فى آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم فى البلاد " .

 

4- قد يتحول  أركان نظام الكفر إلى الإسلام : سحرة فرعون ـ كبار مشركى قريش .

 

ثالثا :  رغم تهافت كيدهم أوجب الله علينا واجبات تجاه كيدهم نبين ما تيسر منها فيما يلي:

  •  الحذر من بطشهم :

" وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ۗ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً" ـ" و خذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا "- " يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم ".

  • الحذر من خداعهم:

" وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ "

 ۚ" هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ"

ولذلك أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم زيدًا أن يتعلم كتاب يهود

 

  • بغضهم والعلم بشدة بغضهم لنا وعدم إحسان الظن بهم:

" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا َتتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ "

" إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْدَاءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ "

" وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ "

" وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا "

" يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقا من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين "

"يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا الذين كفروا يردوكم على أعقابكم فتنقلبوا خاسرين".

" كَيْفَ وَإِن يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً ۚ يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَىٰ قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ "

" قد كانت لكم أسوة حسنة فى ابراهيم و الذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ...".

وهذا الواجب لما غفل عنه الدعاة والعلماء  فعل العدو بهم الأفاعيل.

 

  • الحذر من موالاتهم  أوالركون إليهم أوطاعتهم :

" وَإِن كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ ۖ وَإِذًا لَّاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا "

" يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا "

" قال يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ "

" وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ ۖ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ ۖ"

" فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا ۚ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "

" وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ الذي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ما لك من الله من وليٍّ و لا نصير "

و هذا سر غياب نصرة الله  وولايته  عمن يتبعون أهواء العدو ويطيعونه ..

 

  • الإعداد  :

قال تعالى: "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ".

 

 والله تعالى أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.