17
شوال
1445 هـ
25
ابريل
2024 م

رياضه النفس على الانكسار لله

line
تاريخ النشر: 2020-08-10 16:17:38
المشاهدات: 1492

قال ابن الجوزي - رحمه الله - والله لقد رأيت من يكثر الصلاة والصوم والصمت، ويتخشع في نفسه ولباسه، والقلوب تنبو عنه، وقدره في النفوس ليس بذاك .

 ورأيت من يلبس فاخر الثياب، وليس له كبير نفل ولا تخشع، والقلوب تتهافت على محبته.

 فتدبرت السبب فوجدته السريرة، كما روي عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- أنه لم يكن له كبير عمل من صلاة وصوم، وإنما كانت له سريرة.

 فمن أصلح سريرته فاح عبير فضله، وعبقت القلوب بنشر طيبه.

 فالله الله في السرائر، فانه ما ينفع مع فسادها صلاح ظاهر. انتهى  (٢٨١ صيد الخاطر).

 قال تعالى: " إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودًّا ".

  • ومن صلاح السريرة الانكسار لله، ومن الاجتهاد في إصلاح السريرة رياضة النفس على الانكسار لله تعالى.
  •  و الانكسار لله كلمة تجمع كثيرًا من المعاني الشرعية والعبادات القلبية منها :
  • شعور العبد بمدى حاجته وفاقته إلى ربه، وهو الفقر الى الله .
  • عدم رضا العبد عن نفسه وعمله، ورؤيته لتقصيره ونقصه، فهو في أمور الآخرة زاهد في الموجود طالب  للمفقود، وفي أمور الدنيا قانع بالموجود زاهد في المفقود.

 فالصالحون المنكسرون  أكمل أحوالهم إعراضهم عن أعمالهم .

  • حياء العبد من ربه أن يراه متعاليًا على الخلق، أو معظمًا لنفسه، أو طاغيًا في غضبه.
  • سكون القلب إلى الله، وتفويض أموره إليه، و رضاه بما يقدره، ويقينه بحكمته، واستكانته لربه تعالى .

 

  • إنها الحالة التي يعبر الله عنها بقوله : ( إنهم كانوا يدعوننا رغبًا ورهبًا وكانوا لنا خاشعين ) .

إنها الحالة التي يعيشها شيخ الاسلام وهو يقول  أنا ما لي شيء وما مني شيء، و لا فيَّ شيء.

 أنا المكدى وابن المكدى      وكذا كان أبي وجدي

أنا الفقير إلى رب البريات           أنا المسكين في مجموع حالاتي

والفقر لي وصف ذات لازم أبدًا       كما الغنى أبدا وصف له ذاتي

والله إني الى الان أجدد إسلامي كل وقت، وما أسلمت بعد إسلاما جيدا .

  • وفي سبيل تحقيق الانكسار لله ورياضة النفس عليه، ينبغي للإنسان أن يقف لنفسه بالمرصاد في مختلف مواقفها ومشاعرها، يكسر كبرياءها و يقيم اعوجاجها .

وأمثلة هذا كثيرة، نذكر منها ما تيسر:

1- إذا رأى نفسه عالمًا أو مثقفًا أو مربيًا، قال لنفسه: العُبَّاد خير مني، وهل المراد من العلم الا العمل؟!

  • قال الإمام أحمد - رحمه الله - وهل يراد بالعلم إلا ما وصل إليه معروف؟! (وهو معروف الكرخي العابد الزاهد رحمه الله).
  •  وجاء سفيان إلى رابعة  فجلس بين يديها ينتفع بكلامها .

    تأمل انكسار هؤلاء ..علموا أن مقصود العلم العمل وأن العلم آلة، فانكسروا واعترفوا بالتقصير وتواضعت نفوسهم وتأدبت .

  •   وقالت أم الدرداء لـرجل : هل عملت بما علمت, قال : لا. قالت : فلم تستكثر من حجه الله عليك ؟.
  •   وقال أبو الدرداء : ويل لمن لم يعلم ولم يعمل مرة , وويل لمن علم ولم يعمل سبعين مرة .
  •  وقال الفضيل : يغفر للجاهل سبعون ذنبًا قبل أن يغفر للعالم ذنب واحد .

 فهؤلاء  حصل منهم الذل لله و الاعتراف بالتقصير،  فاستخرجت المعرفة  منهم حقيقه العبودية , وهذا هو المقصود بالتكليف .

ثم قل لنفسك سينشأ فتى  صغير يفتح الله له فيسبقك وتكون بإزائه لا شيء.

2- وإذا رأى العبد نفسه عابدًا قال لها : عبادتك لا يتعدى نفعها ، وإنما العلماء ورثة الأنبياء لهم الفضل وبهم انتفع الخلق ، فيحصل لك الانكسار.

وجاء مالك بن دينار إلى الحسن يتعلم منه ويقول : الحسن أستاذنا .

3- إذا رأى نفسه طائعًا ومن حوله عصاة قال لنفسه لست بشيء إنما العبرة بالخواتيم , وربما ختم  للطائع بعمل أهل النار وختم للعاصي بعمل أهل الجنة، و القلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف شاء .

ولا أقول لك خالط الفساق وعظمهم بل اغضب عليهم في الباطن وأعرض عنهم في الظاهر .

لكن تلمح جريان الأقدار عليك وعليهم وما قد يؤول إليه الحال لتنكسر لله .

وقل لنفسك : أكثر هؤلاء العصاة لا يعرف من عصى وأنت إن عصيت فإنك تعلم من تعصي .

 وأكثر هؤلاء ربما لا يقصدون العصيان بل يكرهونه، لكن ربما صرعهم الهوى .

 وأكثر هؤلاء ربما قوي يقينهم  بعفو الله وتلمحوا حلمه وعظيم كرمه، فاحتقروا مخالفاتهم .

 وكلها ليست أعذار لكن المقصود أن حجة الله عليك أوفى.

ثم أنت لست في شك من تقصيرك وفي شك من عقوبة الله لهم أو انتقامه منهم .

ثم قد تكون متلبسًا بعجب وكبرياء أو رياء، فيكون ذلك أعظم من ذنوبهم ، وقد يعافيهم الله ويبتليك  .

وتذكر انكسار الخليفة الصالح عمر بن عبد العزيز  وقد قيل له : إن مت ندفنك في حجرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : لأن ألقى الله بكل ذنب غير الشرك أحب إليَّ من أن أرى نفسي أهلًا لذلك.

وقد روي أن راهبًا رأى في المنام قائلًا يقول له : فلان الإسكافي خير منك ، فنزل من صومعته  فجاء فسأل عن عمله فلم يذكر كبير عمل فقيل له في المنام : عد إليه وقل له : مما صفرة وجهك ؟ فعاد فسأله ، فقال ما رأيت مسلمًا إلا وظننته خير مني ، فقيل له فبذلك ارتفع .

 فإن رأيت الكبير فقل : سبق بالطاعة ، وإن رأيت الصغير فقل : أقل في المعاصي .

وقل لنفسك أيضا : أين أنت ممن لا يرون أعمالهم وهم أطوع وأعبد الخلق لله.

فالملائكة  الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون ، قالوا : ما عبدناك حق عبادتك.

والخليل - عليه السلام - يقول :  والذى أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين، ولم ير نفسه آمنا ، ولم يستحضر أنه ألقي في النار في سبيل الله ، وأنه سلم ولده للذبح تلبية لأمر الله.

وهذا نبينا صلى الله عليه وسلم يقول : ما منكم من ينجيه عمله، قالوا : ولا أنت ، قال ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته .

4- وإذا حدثته نفسه أن له ميزة عند الله أو كرامة أو عصمة من الأذى ومن ثم يدفع عنه كل مكروه ولابد  ، قال لها : أظننت أنك من أولياء الله  .. هب أنك كذلك ، فأين أنت من سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، سلط عليه السفهاء بالحجارة حتى أدموه ، وألقى عليه المشركون سلا الجزور .

وأين أنت من زكريا عليه السلام بينما هو مجاب الدعوة نشر بالمنشار.

وهذا يحيى عليه السلام وهو سيد- "وسيدًا وحصورًا"- احتز رأسه كافر فقتله. 

وهذه الصديقة المطهرة بنت الصديق تتهم  في عرضها وترمى بالفاحشة .

 لا ننهاك عن الطمع في دفاع الله عنك، لكن حين تستيقن ذلك فليس اعتقادًا لكرامتك و منزلتك، لكن ثقة في رحمته بعبده الضعيف.

  و وارد ألا يدفع عنك، وأن يبتليك لحكمة أو ليؤدبك، وقد قال لمن هم أكرم عليه منك لما قالوا أنى هذا  ؟ "قل هو من عند أنفسكم".

وتأمل ما جرى لأحد الصالحين حيث عرضت له حاجة احتاجت إلى سؤال و دعاء، فاجتهد في ذلك، وأخذ بعض أهل الخير يدعو معه، فلما رأى إجابة لدعائه وجد هاتفًا من نفسه يقول : هذا بسؤال ذلك العبد لا بسؤالك.  وما ذاك إلا لأن نفسه لازمها الانكسار لله تعالى.

5- إذا رأيت الناس قد تأثروا بك أو انتفعوا بكلامك ،  تستحضر مكان نجاتهم وهلاكك:

1. قال الامام ابن الجوزي رحمه الله: ولقد جلست يومًا فرأيت حولي أكثر من عشرة آلاف ما فيهم إلا من قد رق قلبه أو دمعت عينه،  فقلت لنفسي: كيف بك  إذا نجوا وهلكت؟  ، فصحت  بلسان وجدى :

 إلهي وسيدي إن قضيت علي بالعذاب غدًا فلا تعلمهم بعذابي، صيانة لكرمك لا لأجلي، لئلا يقولوا عذب من دل عليه.

6- إذا رأيت نفسك قد تزودت من الحجج والبراهين وقوة المناظرة وحفظ الأدلة، فقل لنفسك: هذا لا يكفي لصلاح القلوب حتى تقف على مسير القوم، وتدرس أحوالهم، وحتى تنهل من الرقائق فيرق  قلبك ويحسن عملك.

 وقد كان جماعة من السلف الصالح يقصدون العبد الصالح للنظر إلى سمته وهديه، لا  لاقتباس علمه.

 

قال الامام ابن الجوزي رحمه الله : لقيت جماعة من علماء الحديث يحفظون ويعرفون، ولكنهم كانوا يتسامحون بغيبة يخرجونها مخرج جرح وتعديل، ويأخذون على قراءة الحديث أجرًا، ويسرعون بالجواب لئلا ينكسر الجاه وإن وقع خطأ.

  ولقيت عبد الوهاب الأنماطي فكان على قانون السلف , لم يسمح في مجلسه بغيبة، ولا كان يطلب أجًرا على سماع الحديث، وكنت إذا قرأت عليه أحاديث الرقائق بكى واتصل بكاؤه،  فكان ( وأنا صغير السن  حينئذ )  يعمل بكاؤه في قلبي ويبني قواعد، وكان على سمت المشايخ الذين سمعنا أوصافهم في النقل.

 

 ولقيت الشيخ أبا منصور الجواليقي فكان كثير الصمت، شديد التحري فيما يقول، متقنًا محققًا، وربما سئل المسالة الظاهرة التي يبادر بها  بعض غلمانه، فيتوقف فيها حتى يتيقن، وكان كثير الصوم والصمت، فانتفعت برؤية هذين الرجلين أكثر من انتفاعي بغيرهما.

ففهمت من هذه الحالة  أن الدليل بالفعل أرشد من الدليل بالقول .انتهى.

 ثم لتحذر  من أن يكون عملك عائقًا لك عن قول لا أدري، حفاظًا على جاهك أو وضعك أمام تلامذتك أو العامة، واستحضر شأن هؤلاء الصالحين الذين ذكرنا .

وهذا مالك - رحمه الله -  إمام الدنيا في وقته سأله رجل، فقال :  لا أدري  ، فقال سافرت البلدان إليك ،  فقال :  ارجع إلى بلدك وقل سألت مالكًا فقال لا أدري .

7- إذا رأى نعمة الله تتابع عليه فحدثته نفسه أنه لكرامته على الله فليقل لها : وما يدريك أنك في استدراج، فيحدث له ذلك خوف القلب وانكساره مع اندفاعه  للشكر بالقول والعمل ، ثم رأى شكره - مع كونه غير تام -  هو نعمة أخرى وفقه الله عليها تستحق الشكر، ويستدعي نعمًا سابقة منذ وجوده في الدنيا على نحو قول القائل:

 

يا مُنتَهى الآمالِ أنْـ            ـتَ كفَلتَني وحفِظتنِي

    وعدا الزمانُ عليَّ كيْ             يَجتاحنِي فمَنعتنِي

      فانقادَ لي مُتخشــعًا               لمَّـا رآكَ نَصرتنِي

     وكسَوتنِي ثوبَ الغِنى           ومِن المعايب صُنتنِي

     فإذا سكـــتُّ بــدأتَني             وإذا ســـألتُ أجبتَني

     فإذا شكرتُــك زِدتَني             فمَنحتنِي وبَهــرتنِي

     أو إنْ أجُد بالمالِ فبالْـ             أمــوال أنتَ أفَدتنِي

هذا إن رأى نعما ....

فإن رأى تعثرًا وهمومًا فضجر وضاق صدره ، قال لنفسه: اخسئي فإنما هي ذنوب في الصغر أوجبت تعثرًا في الكبر، أو هو من إعراضك عن الله وإقبالك على الدنيا، فهذا مصدر الهموم والغموم، فينطرح  بين يدي ربه  تائبًا منكسرًا.

 وقد يظن من يدعو الخلق ويعلمهم أو يشتغل بالعبادة أنه بعيد عن الإعراض عن الله، وهو واهم، إذ هو مراعٍ لأغراض دنيئة، من كثرة المعجبين أو التفكير في صلاته في الدنيا.

 

8- إذا تصدقت فشعرت بفضل فقل لنفسك: وهل المال إلا مال الله، ومع ذلك يثيب على الإنفاق، وأين صدقتي ممن خرجوا من أموالهم لله، وممن هجروا ديارهم وتجارتهم مهاجرين أو مجاهدين في سبيل الله؟

 ثم لعلك يا نفس تستثقلين السائل، أو تعتقدين تقييده بمنة لك عليه، أو تنتظرين ثناءً، فأين أنت من أقوام كانوا يفرحون بالسائل ويرونه يأخذهم إلى مرضاة الله وجنته، وتضطرب قلوبهم إذا شهرهم  بسبب صدقتهم .. وهذا ابو عمرو بن نجيد لما سمع أبا عثمان المغربي يقول يومًا على المنبر : عليَّ ألف دينار وقد ضاق صدري ، فمضى أبو عمرو إليه في الليل بألف دينار وقال : اقض دينك، فلما عاد أبو عثمان على المنبر قال : شكر الله لأبي عمرو، فإنه أراح قلبي وقضى ديني،

 فقام أبو عمرو فقال : أيها الشيخ ، ذلك المال كان لوالدتي، وقد شق عليها ما فعلت، فإن رأيت أن تتقدم برده فافعل.

 فلما كان من الليل، عاد إليه وقال: لماذا شهرتني بين الناس ؟ فأنا ما فعلت ذلك لأجل الخلق، فخذه ولا تذكرني .

                ماتوا وغُيِّب في التراب شخوصهم      والنشر مسك والعظام رميم

 

9- اذا دعا العبد فلم ير أثرًا لإجابة دعائه :

 بل ربما أحدق به ما يدعو بالخلاص منه أكثر مما كان أو بعد عنه مراده أكثر مما كان ، وبَّخ نفسه لانشغالها برؤية السبب عن المسبِّب، وبتقصيرها في اليقين بحكمته تعالى ولطفه وعلمه بما يصلح عبده ( وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئًا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون ).

لذلك كان بعض السلف يقول: ما بقي لي سرور إلا في مواقع القدر.

 وسئل بعضهم: ما تشتهي؟ قال : ما يقضي الله.

 ومات لأعرابي أباعر كثيرة، فقال :

    والله ما سرَّني أن إبلي في مباركها             وأن شيئًا قضاه الله لم يكن

10- إذا وجدت في نفسك تغيُّرًا في القلب من أقرانك، أو رغبة في تصغير شأنهم فقل : ما أقبحك يا نفس، أين أنت من قول الله  : ( ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا )، وقوله تعالى : ( ربنا لا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا ).

 أين أنت من الدعاء لهم "ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان".

 وهذا الإمام أحمد يقول لابن الشافعي: أبوك من الستة الذين أدعو لهم في السحر.

 فينكسر قلبه ويدعو لإخوانه.

11- إذا وجدت نفسك طاغيًا في غضبك لتقصير مقصر أو لطعن طاعن، فصالت نفسك وجالت، فقل لها ومن أنت حتى ترى لنفسك هذه القداسة؟ أين أنت من الحسين بن علي رضي الله عنه لما طعن فيه طاعن فقال: الحمد لله الذي لم يطلعه على ما خفي من عيوبنا – أو كلمة نحوها – فاقتصد في غضبك وفي عقابك للآخرين، و لا تكن طاغيًا متعاليًا على إخوانك، أو مسرفًا و قاسيًا في عقوبة أهلك وأولادك، ولهذا ذكر العلماء في آداب تربية الأولاد أن تكف عن ضرب ولدك لو ناشدك الله أن تكف عنه.

وقد عظَّم الشارع كفارة المتجاوز حتى في تأديب عبده وخادمه، فقال عليه الصلاة والسلام: "من لطم غلامه فكفارته عتقه"، وهذا الحديث رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه أعتق عبدًا فقال: ما لي من أجره مثل هذه – لشيء رفعه من الأرض – سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ....الحديث.

وبهذا ينكسر العبد ويدفن كبرياء نفسه، ويترك قول ألا يعلم فلان من أنا؟ سأفعل به وأفعل ....إلخ. ويتذكر قدرة الله عليه ويستحي منه أن يراه طاغيًا متعاظمًا.

و قد كان أبو مسعود رضي الله عنه يضرب غلامًا له، فإذا بصوت خلفه يقول : "اعلم أبا مسعود لله أقدر عليك منك عليه"، فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ونختم بكلام نختصره لبعض المنكسرين :

 فهذا أبو الوفاء بن عقيل الإمام الحنبلي ينوح على نفسه فيقول : أف لنفسي وقد سطرت عدة مجلدات في فنون العلم وما عبق بها فضيلة ،  إن انكسر لها غرض تضجرت  ، فإن  امتدت بالنعم اشتغلت عن المنعم ،  أف والله مني اليوم على وجه الأرض وغدًا تحتها، والله إن نتن  جسدي بعد ثلاثة تحت التراب أقل من نتن خلائقي وأنا بين الأصحاب  ،

والله إنني قد بهرني حلم هذا الكريم عني ، كيف سترني وأنا أتهتك ، ويجمعني وأنا أتشتت ، وغدًا يقال :مات الحبر العالم الصالح، ولو عرفوني حق معرفتي بنفسي ما دفنوني، والله ما أجد لنفسي خلة أستحسن أن اقول متوسلًا بها : اللهم اغفر لي كذا بكذا .. فواحسرتاه على عمر انقضي فيما لا يطابق الرضا ..واخيبة من أحسن الظن بي إذا شهدت الجوارح علىّ.

اللهم توبة خالصة من هذه الأقذار، ونهضة صادقة لتصفية ما بقي من الأكدار .